العدل في
العلاقات الإنسانية
الحمدُ
لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام
على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين
الطاهرين وأصحابه المنتجبين وعلى جميع
أنبياء الله والمرسلين، السلام عليكم
أيها الأخوة المؤمنون والأخوات
المؤمنات ورحمة الله وبركاته.
يتفرع
عن العدل في العلاقات الإنسانية مسألة
العدل في العلاقة الزوجية، فالله جعل
للزوجة حقّاً على زوجها، وللزوج حقّاً
على زوجته، ولا بد لكل واحد منهما أن
يؤدي للآخر حقَّه، فمن المعروف أن
للزوجة حقاً على زوجها في أن ينفق عليها
في كلِّ حاجاتها، سواء الحاجات
الغذائية أو الحاجات الأخرى من ملبس
وغيره، وحتى الحاجات الكمالية
المتعارفة، {لينفق ذو سعة من سعته} (الطلاق/7)
بحسب إمكاناته وبحسب حاجاتها.
كما
إنّ عدل الزوج مع زوجته أن يعاشرها
بالمعروف، وهذا ما أكَّده الله تعالى في
قوله: {وعاشروهنّ بالمعروف فإن كرهتموهن
فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه
خيراً كثيراً} (النساء/19)،
أي إنّ الزوج في بعض الحالات المزاجية
قد يشعر تجاه زوجته بشيء من الكراهية
والاستياء نتيجة بعض الأوضاع السلبية
الخارجية أو العارضة على حياة الإنسان،
فعليه أن لا يخضع لها، بل أن يدرس
المسألة من ناحية ما هي المصلحة وما هي
المفسدة؟ فقد تكون هذه الكراهية ناشئة
من حالة طارئة لا من حالة عميقة في
العلاقة، حتى إنه قد تحدث في نفسه حالة
كراهية سطحية مع أولاده وأقاربه،
والمفروض أن لا يأخذ الإنسان بمثل هذه
الحالات الطارئة، بل أن يدرس المسألة
دراسة عميقة بحسب طبيعة المصلحة
والمفسدة في هذا المجال، لأنه قد يكون
مخطئاً في عملية تقويمه لنتائج هذه
الحالة، هذه نقطة.
أيضاً،
فقد أراد الله سبحانه وتعالى للزوج أن
يعطي زوجته حقَّها من المهر، فلا يجوز
له أن ينكر عليها حقها أو أن يضغط عليها
لتتنازل عن حقّها، يقول تعالى: {وإن
أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم
إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً
أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً* وكيف
تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن
منكم ميثاقاً غليظاً}(النساء/20-21)،
وهذا يعني أنَّ العدل الزوجي هو ميثاق
غليظ.
كذلك
ربما تختلف فتاوى العلماء في الحق
الجنسي، فالفتوى المعروفة عند العلماء
أن لها حقّاً في هذا الجانب الذي هو جانب
طبيعي في الغريزة، مرة كل أربعة أشهر،
ولكننا نفتي بأن حق المرأة كحقِّ الرجل،
فكما أن للرجل الحق في أن تمنحه المرأة
حقه الزوجي أو الجنسي عندما يحتاج إليه،
كذلك من حق المرأة على الرجل أن يمنحها
هذا الحق عند حاجتها إليه، هذا عند كلا
الطرفين من دون إضرار، ومن دون وجود
مانع شرعي أو مانع صحي أو ما إلى ذلك،
لأن الله تعالى يقول: {ولهنَّ مثل الذي
عليهنَّ بالمعروف} (البقرة/228)،
أي إن للمرأة حقاً مثل الذي عليها من
الحق (وللرجال عليهن درجة} وهذا له علاقة
بالطلاق، وذلك بما أنفقوا من أموالهم،
فللرجل الحق على زوجته في أن لا تمنعه من
نفسها مهما كانت الظروف إلا لعذر شرعي،
وليس لها أن تخرج من بيته من دون إذنه في
حال حاجته إليها في هذا الجانب، أما في
حال عدم الحاجة، فتُنصح المرأة بأن
تستجيب لزوجها، وهو الأحوط، ولكنّ
العلماء الآخرين يقولون إنه لا يجوز لها
أن تخرج مطلقاً، ولكنّنا نقول وفقاً
لرأي السيد الخوئي رحمه الله، إنّ حرمة
خروجها من بيته من غير إذنه يرتبط
بحاجته إليها في عالم الاستمتاع وما إلى
ذلك.
كما
إنه لا يجوز للرجل أن يضرب زوجته بدون
حق، كما يفعل بعض الرجال عندما يأتون
إلى البيت وينـزعجون من بعض الأمور، بأن
يكون الولد مثلاً غير نظيف، أو أن
الطعام لا يلائم مزاجه، أو قد تكون
نائمة بسبب تعبها وهو يريد منها صنع
القهوة، أو ما إلى ذلك، فيندفع إلى
ضربها، لأن الكثير من الرجال يعتبر
المرأة أَمَة له، لا، بل المرأة إنسان
مثلما الرجل إنسان.
فالرّجل
من ناحية شرعية لا يملك المرأة بالعقد،
وإنما هذا العقد مثل بقية العقود. الآن
عندما تقيم عقداً مع شخص في أي جانب،
فإنه يقول إنّ المادة الأولى تحكمك،
والمادة تلك تحكمني. الزواج هكذا، قد
يتصوَّر بعض الناس أنه إذا تزوَّج امرأة
فإنه يملكها، وأيضاً الزوجة قد تتصوَّر
أنها تملك زوجها، لا، بل هو يبقى على
إنسانيته وهي تبقى على إنسانيتها، وما
يحكم كل واحد منهما هو ما فرضه الله
تعالى في العقد الزوجي.
هناك
بعض الرجال يطرد زوجته من المنـزل إلى
بيت أهلها، ولكنّ ذلك حرام، لأنّ
إسكانها في بيته هو جزء من النفقة، فكما
أنه لا يجوز أن يبقيها بدون ثياب أو طعام
أو طبابة، كذلك لا يجوز له أن يطردها من
بيته، كما لا يجوز لها أن تخرج من بيت
زوجها لمجرد الاستياء. نعم، قد يضطهدها
زوجها أو يضربها ويتعسّف معها، فيجوز
لها في مثل هذا الوضع أن تخرج من بيته،
ولا يجوز له أن يطردها من بيتها. وإذا
طردها يتوجَّب عليه الإنفاق عليها
أينما كانت، وإذا لم ينفق فيتعلق الحق
بذمته. وهذا من العدل. وفي المقابل
أيضاً، لا يجوز للزوجة أن تضرب زوجها،
بعض الأزواج عندهم ضعف في هذا المجال.
إذاً {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف
وللرجال عليهن درجة}.
وقد
ركّز الله سبحانه وتعالى العلاقة
الزوجية على أساس خطين {فإمساك بمعروف
أو تسريح بإحسان} (البقرة/229)،
أي من يريد البقاء على الحياة الزوجية
فإنّ عليه أن يبقى بمعروف، بأن يعطي كل
واحد منهما للآخر حقّه، ومن لا يريد
إبقاءها فليكن تسريحٌ بإحسان، وليس
بالضغط والتعسف وما أشبه ذلك، هذا الخط
هو خط العدالة فيما يجب للزوج على
زوجته، وفي ما يجب للزوجة على زوجها.
ومن
المعروف أنَّ ما تقوم به الزوجة من شؤون
البيت أو إدارته، إذا كان شرطاً ضمن عقد
الزواج، وجب عليها القيام به، ولكن إذا
لم يشترط عليها فلها الخيار في أن تفعل
أو لا تفعل، وعادةً إذا أحسن الرجل
معاشرتها، فإن الزوجة تقوم بكل ذلك من
تلقاء ذاتها. ولكن عندما يضربها ويشتمها
ويشتم أهلها فكيف يمكنها أن تخدمه،
العلاقة الزوجية هي العلاقة التي تبني
المستقبل للأولاد، هي الخلية للمجتمع،
ولذلك لا بد لمن يريد أن يتزوَّج أن يكون
إنساناً في زواجه رجلاً كان أو امرأة.
ولذا
نلاحظ أنّ التعاليم الدينية أكَّدت
مسألة الالتزام الأخلاقي والديني في
شخصية الزوج «إذا
جاءكم من ترضون خلقه ودينه»،
لأن الخلق يجعله يعيش إنسانيته، والدين
يجعله يخاف من الله أن يظلمها، «فزوّجوه
إلاّ تفلعوه تكن فتنة في الأرض وفساد
كبير»،
وكذلك بالنسبة إلى الزوجة. يروى أنه جاء
شخص إلى رسول الله (ص) وقال: يا رسول الله
من أتزوّج، ققال (ص): «عليك
بذات الدين»
التي تعيش الدين في أخلاقيّته
والتزاماته، وتخاف الله في نفسها وفي
زوجها وبيتها وأولادها. هذا هو الخط
الإسلامي، لذلك على الرجل قبل أن
يتزوَّج أن يبني إنسانيته في نفسه، وأن
يكون ناظراً إلى الله تعالى في كلِّ ما
يريد أن يقبل عليه، والزوجة كذلك، هذا
الجو الذي يتحرك مع الزوجة الواحدة،
وكذلك الأمر في حالة تعدد الزوجات،
فالله تعالى يقول: {فإن خفتم ألاّ تعدلوا
فواحدة}(النساء/3)،
والعدل هنا في النفقة، لأنّ بعض الناس
يمكن أن يتزوَّج واحدة وإثنين وثلاثة
وليس عنده ما ينفق عليهن، لذلك ورد أن
العدل في النفقة.
فالله
تعالى يقول إذا لم يكن عندك ما تستطيع أن
تقوم به من حقوق الزوجة في ما يطلب منك،
فعليك أن تكتفي بواحدة فقط، والعدل
يُطلب فيما يستطيع الإنسان القيام به،
أما في جانب الميل القلبي، فهذا ليس بيد
الإنسان، ولذا {ولن تستطيعوا أن تعدلوا
بين النساء} أي في الميل القلبي {ولو
حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها
كالمعلّقة} (النساء/129)
أن تهجروها، فتكون لا متزوّجة ولا
مطلّقة. وهنا يؤكد القرآن للرجال مسألة،
أن لا يكون الزواج مجرد حالة مزاجية
عندهم، بل أن يكون حالة إنسانية تنطلق
من دراسة واقعية عملية، لا يلاحظ فيها
الرجل نفسه فقط، بل يلاحظ المرأة أيضاً.
والحديث
عن تعدّد الزوجات حديثٌ طويل جداً، وقد
لاحظ فيه الإسلام الضرورات الإنسانية
العامة، وأراد أن يركِّزها على أساس
ذلك، لأنه قد يكون حلاً إنسانياَ
للطرفين الرجل والمرأة. ولنفترض أن
الزواج الثاني قد يشكّل حالة سلبية
بالنسبة للزوجة الأولى، إلاّ أنّه عمل
إيجابي للزوجة الثانية، والزواج
المتعدّد لا يلحظ فيه الجانب العاطفي،
ولكن يلحظ فيه الجانب الواقعي الإنساني
في حاجات الناس بعضهم مع بعض.
نحن
نلاحظ مثلاً الآن في الغرب أنّ ثمّة
قانوناً يمنع تعدّد الزوجات، والعلاقة
الشرعية هي علاقة الزواج بواحدة، لكن
العلاقات غير الشرعية مباحة، وقد يكون
للشخص الواحد علاقات متعددة. وأيضاً في
التقنين الموجود في بعض بلدان الغرب،
تعطى المرأة التي عندها علاقة غير شرعية
مثلما تعطى الزوجة، أي نصف أملاك الزوج
وما إلى ذلك.
ومعنى
ذلك أن القانون الغربي جمّد العلاقة
الشرعية في واحدة، وأباح العلاقة غير
الشرعية بلا عدد، دون أن يكون هناك
قانون يحدِّد للإنسان أن يكون عنده
علاقات غير شرعية.
إضافة
إلى ذلك، فقد أصبح في الغرب ما يسمى
الزواج المثلي، وهو أن يتزوج الرجل
الرجل، والمرأة المرأة، وهذا صار
تشريعاً. أمَّا الإسلام فقد ركز الأمور
على أساس ما يُصلح الإنسان، لا ما يفسده
{ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} (الملك/14)
{يا أيُّها الذين آمنوا استجيبوا لله
وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} (الأنفال/24)
أي لما يبني لكم الحياة على الأسس التي
تشعرون فيها بالتوازن، وتشعرون فيها
بالاستقامة.
هذا
شيء من شؤون الكون كلّه، ففي الحياة لا
يوجد ما هو خير مئة في المئة، ولا ما هو
شر مئة في المئة، ولكن هناك الخير وهناك
الشر، لأن عالمنا عالم المحدود، مثال
ذلك، قبل أن تُبنى هذه القاعة، كان
الهواء أكثر والنور أكثر، لكن كانت
الحماية أقلّ والدفء أقلّ، فبعدما
بنيناها صارت الحماية أكثر والدفء
أكثر، لكن الهواء أصبح أقلّ والنور
أقلّ، وهكذا في كلّ الأمور...
فقبل
الزواج مثلاً، يشعر الأعزب بأنّه يملك
حريته، وعندما يتزوّج، يسد حاجة من
حاجاته، لكنه يعيش مشاكل أخرى: {يسألونك
عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير _
ضرر _ ومنافع للناس وإثمهما أكبر من
نفعهما} (البقرة/219)
أي إذا كان الشيء ضرره أكبر من نفعه يكون
حراماً، وإذا كان نفعه أكبر من ضرره
يكون حلالاً، أما أن يكون هناك شيء كله
نفع ولا ضرر فيه، أو أن يكون كلّه ضرر لا
نفع فيه فلا يوجد.
والحمد
لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة
الله وبركاته..
العلاقات الإنسانية
الحمدُ
لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام
على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين
الطاهرين وأصحابه المنتجبين وعلى جميع
أنبياء الله والمرسلين، السلام عليكم
أيها الأخوة المؤمنون والأخوات
المؤمنات ورحمة الله وبركاته.
يتفرع
عن العدل في العلاقات الإنسانية مسألة
العدل في العلاقة الزوجية، فالله جعل
للزوجة حقّاً على زوجها، وللزوج حقّاً
على زوجته، ولا بد لكل واحد منهما أن
يؤدي للآخر حقَّه، فمن المعروف أن
للزوجة حقاً على زوجها في أن ينفق عليها
في كلِّ حاجاتها، سواء الحاجات
الغذائية أو الحاجات الأخرى من ملبس
وغيره، وحتى الحاجات الكمالية
المتعارفة، {لينفق ذو سعة من سعته} (الطلاق/7)
بحسب إمكاناته وبحسب حاجاتها.
كما
إنّ عدل الزوج مع زوجته أن يعاشرها
بالمعروف، وهذا ما أكَّده الله تعالى في
قوله: {وعاشروهنّ بالمعروف فإن كرهتموهن
فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه
خيراً كثيراً} (النساء/19)،
أي إنّ الزوج في بعض الحالات المزاجية
قد يشعر تجاه زوجته بشيء من الكراهية
والاستياء نتيجة بعض الأوضاع السلبية
الخارجية أو العارضة على حياة الإنسان،
فعليه أن لا يخضع لها، بل أن يدرس
المسألة من ناحية ما هي المصلحة وما هي
المفسدة؟ فقد تكون هذه الكراهية ناشئة
من حالة طارئة لا من حالة عميقة في
العلاقة، حتى إنه قد تحدث في نفسه حالة
كراهية سطحية مع أولاده وأقاربه،
والمفروض أن لا يأخذ الإنسان بمثل هذه
الحالات الطارئة، بل أن يدرس المسألة
دراسة عميقة بحسب طبيعة المصلحة
والمفسدة في هذا المجال، لأنه قد يكون
مخطئاً في عملية تقويمه لنتائج هذه
الحالة، هذه نقطة.
أيضاً،
فقد أراد الله سبحانه وتعالى للزوج أن
يعطي زوجته حقَّها من المهر، فلا يجوز
له أن ينكر عليها حقها أو أن يضغط عليها
لتتنازل عن حقّها، يقول تعالى: {وإن
أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم
إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً
أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً* وكيف
تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن
منكم ميثاقاً غليظاً}(النساء/20-21)،
وهذا يعني أنَّ العدل الزوجي هو ميثاق
غليظ.
كذلك
ربما تختلف فتاوى العلماء في الحق
الجنسي، فالفتوى المعروفة عند العلماء
أن لها حقّاً في هذا الجانب الذي هو جانب
طبيعي في الغريزة، مرة كل أربعة أشهر،
ولكننا نفتي بأن حق المرأة كحقِّ الرجل،
فكما أن للرجل الحق في أن تمنحه المرأة
حقه الزوجي أو الجنسي عندما يحتاج إليه،
كذلك من حق المرأة على الرجل أن يمنحها
هذا الحق عند حاجتها إليه، هذا عند كلا
الطرفين من دون إضرار، ومن دون وجود
مانع شرعي أو مانع صحي أو ما إلى ذلك،
لأن الله تعالى يقول: {ولهنَّ مثل الذي
عليهنَّ بالمعروف} (البقرة/228)،
أي إن للمرأة حقاً مثل الذي عليها من
الحق (وللرجال عليهن درجة} وهذا له علاقة
بالطلاق، وذلك بما أنفقوا من أموالهم،
فللرجل الحق على زوجته في أن لا تمنعه من
نفسها مهما كانت الظروف إلا لعذر شرعي،
وليس لها أن تخرج من بيته من دون إذنه في
حال حاجته إليها في هذا الجانب، أما في
حال عدم الحاجة، فتُنصح المرأة بأن
تستجيب لزوجها، وهو الأحوط، ولكنّ
العلماء الآخرين يقولون إنه لا يجوز لها
أن تخرج مطلقاً، ولكنّنا نقول وفقاً
لرأي السيد الخوئي رحمه الله، إنّ حرمة
خروجها من بيته من غير إذنه يرتبط
بحاجته إليها في عالم الاستمتاع وما إلى
ذلك.
كما
إنه لا يجوز للرجل أن يضرب زوجته بدون
حق، كما يفعل بعض الرجال عندما يأتون
إلى البيت وينـزعجون من بعض الأمور، بأن
يكون الولد مثلاً غير نظيف، أو أن
الطعام لا يلائم مزاجه، أو قد تكون
نائمة بسبب تعبها وهو يريد منها صنع
القهوة، أو ما إلى ذلك، فيندفع إلى
ضربها، لأن الكثير من الرجال يعتبر
المرأة أَمَة له، لا، بل المرأة إنسان
مثلما الرجل إنسان.
فالرّجل
من ناحية شرعية لا يملك المرأة بالعقد،
وإنما هذا العقد مثل بقية العقود. الآن
عندما تقيم عقداً مع شخص في أي جانب،
فإنه يقول إنّ المادة الأولى تحكمك،
والمادة تلك تحكمني. الزواج هكذا، قد
يتصوَّر بعض الناس أنه إذا تزوَّج امرأة
فإنه يملكها، وأيضاً الزوجة قد تتصوَّر
أنها تملك زوجها، لا، بل هو يبقى على
إنسانيته وهي تبقى على إنسانيتها، وما
يحكم كل واحد منهما هو ما فرضه الله
تعالى في العقد الزوجي.
هناك
بعض الرجال يطرد زوجته من المنـزل إلى
بيت أهلها، ولكنّ ذلك حرام، لأنّ
إسكانها في بيته هو جزء من النفقة، فكما
أنه لا يجوز أن يبقيها بدون ثياب أو طعام
أو طبابة، كذلك لا يجوز له أن يطردها من
بيته، كما لا يجوز لها أن تخرج من بيت
زوجها لمجرد الاستياء. نعم، قد يضطهدها
زوجها أو يضربها ويتعسّف معها، فيجوز
لها في مثل هذا الوضع أن تخرج من بيته،
ولا يجوز له أن يطردها من بيتها. وإذا
طردها يتوجَّب عليه الإنفاق عليها
أينما كانت، وإذا لم ينفق فيتعلق الحق
بذمته. وهذا من العدل. وفي المقابل
أيضاً، لا يجوز للزوجة أن تضرب زوجها،
بعض الأزواج عندهم ضعف في هذا المجال.
إذاً {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف
وللرجال عليهن درجة}.
وقد
ركّز الله سبحانه وتعالى العلاقة
الزوجية على أساس خطين {فإمساك بمعروف
أو تسريح بإحسان} (البقرة/229)،
أي من يريد البقاء على الحياة الزوجية
فإنّ عليه أن يبقى بمعروف، بأن يعطي كل
واحد منهما للآخر حقّه، ومن لا يريد
إبقاءها فليكن تسريحٌ بإحسان، وليس
بالضغط والتعسف وما أشبه ذلك، هذا الخط
هو خط العدالة فيما يجب للزوج على
زوجته، وفي ما يجب للزوجة على زوجها.
ومن
المعروف أنَّ ما تقوم به الزوجة من شؤون
البيت أو إدارته، إذا كان شرطاً ضمن عقد
الزواج، وجب عليها القيام به، ولكن إذا
لم يشترط عليها فلها الخيار في أن تفعل
أو لا تفعل، وعادةً إذا أحسن الرجل
معاشرتها، فإن الزوجة تقوم بكل ذلك من
تلقاء ذاتها. ولكن عندما يضربها ويشتمها
ويشتم أهلها فكيف يمكنها أن تخدمه،
العلاقة الزوجية هي العلاقة التي تبني
المستقبل للأولاد، هي الخلية للمجتمع،
ولذلك لا بد لمن يريد أن يتزوَّج أن يكون
إنساناً في زواجه رجلاً كان أو امرأة.
ولذا
نلاحظ أنّ التعاليم الدينية أكَّدت
مسألة الالتزام الأخلاقي والديني في
شخصية الزوج «إذا
جاءكم من ترضون خلقه ودينه»،
لأن الخلق يجعله يعيش إنسانيته، والدين
يجعله يخاف من الله أن يظلمها، «فزوّجوه
إلاّ تفلعوه تكن فتنة في الأرض وفساد
كبير»،
وكذلك بالنسبة إلى الزوجة. يروى أنه جاء
شخص إلى رسول الله (ص) وقال: يا رسول الله
من أتزوّج، ققال (ص): «عليك
بذات الدين»
التي تعيش الدين في أخلاقيّته
والتزاماته، وتخاف الله في نفسها وفي
زوجها وبيتها وأولادها. هذا هو الخط
الإسلامي، لذلك على الرجل قبل أن
يتزوَّج أن يبني إنسانيته في نفسه، وأن
يكون ناظراً إلى الله تعالى في كلِّ ما
يريد أن يقبل عليه، والزوجة كذلك، هذا
الجو الذي يتحرك مع الزوجة الواحدة،
وكذلك الأمر في حالة تعدد الزوجات،
فالله تعالى يقول: {فإن خفتم ألاّ تعدلوا
فواحدة}(النساء/3)،
والعدل هنا في النفقة، لأنّ بعض الناس
يمكن أن يتزوَّج واحدة وإثنين وثلاثة
وليس عنده ما ينفق عليهن، لذلك ورد أن
العدل في النفقة.
فالله
تعالى يقول إذا لم يكن عندك ما تستطيع أن
تقوم به من حقوق الزوجة في ما يطلب منك،
فعليك أن تكتفي بواحدة فقط، والعدل
يُطلب فيما يستطيع الإنسان القيام به،
أما في جانب الميل القلبي، فهذا ليس بيد
الإنسان، ولذا {ولن تستطيعوا أن تعدلوا
بين النساء} أي في الميل القلبي {ولو
حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها
كالمعلّقة} (النساء/129)
أن تهجروها، فتكون لا متزوّجة ولا
مطلّقة. وهنا يؤكد القرآن للرجال مسألة،
أن لا يكون الزواج مجرد حالة مزاجية
عندهم، بل أن يكون حالة إنسانية تنطلق
من دراسة واقعية عملية، لا يلاحظ فيها
الرجل نفسه فقط، بل يلاحظ المرأة أيضاً.
والحديث
عن تعدّد الزوجات حديثٌ طويل جداً، وقد
لاحظ فيه الإسلام الضرورات الإنسانية
العامة، وأراد أن يركِّزها على أساس
ذلك، لأنه قد يكون حلاً إنسانياَ
للطرفين الرجل والمرأة. ولنفترض أن
الزواج الثاني قد يشكّل حالة سلبية
بالنسبة للزوجة الأولى، إلاّ أنّه عمل
إيجابي للزوجة الثانية، والزواج
المتعدّد لا يلحظ فيه الجانب العاطفي،
ولكن يلحظ فيه الجانب الواقعي الإنساني
في حاجات الناس بعضهم مع بعض.
نحن
نلاحظ مثلاً الآن في الغرب أنّ ثمّة
قانوناً يمنع تعدّد الزوجات، والعلاقة
الشرعية هي علاقة الزواج بواحدة، لكن
العلاقات غير الشرعية مباحة، وقد يكون
للشخص الواحد علاقات متعددة. وأيضاً في
التقنين الموجود في بعض بلدان الغرب،
تعطى المرأة التي عندها علاقة غير شرعية
مثلما تعطى الزوجة، أي نصف أملاك الزوج
وما إلى ذلك.
ومعنى
ذلك أن القانون الغربي جمّد العلاقة
الشرعية في واحدة، وأباح العلاقة غير
الشرعية بلا عدد، دون أن يكون هناك
قانون يحدِّد للإنسان أن يكون عنده
علاقات غير شرعية.
إضافة
إلى ذلك، فقد أصبح في الغرب ما يسمى
الزواج المثلي، وهو أن يتزوج الرجل
الرجل، والمرأة المرأة، وهذا صار
تشريعاً. أمَّا الإسلام فقد ركز الأمور
على أساس ما يُصلح الإنسان، لا ما يفسده
{ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} (الملك/14)
{يا أيُّها الذين آمنوا استجيبوا لله
وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} (الأنفال/24)
أي لما يبني لكم الحياة على الأسس التي
تشعرون فيها بالتوازن، وتشعرون فيها
بالاستقامة.
هذا
شيء من شؤون الكون كلّه، ففي الحياة لا
يوجد ما هو خير مئة في المئة، ولا ما هو
شر مئة في المئة، ولكن هناك الخير وهناك
الشر، لأن عالمنا عالم المحدود، مثال
ذلك، قبل أن تُبنى هذه القاعة، كان
الهواء أكثر والنور أكثر، لكن كانت
الحماية أقلّ والدفء أقلّ، فبعدما
بنيناها صارت الحماية أكثر والدفء
أكثر، لكن الهواء أصبح أقلّ والنور
أقلّ، وهكذا في كلّ الأمور...
فقبل
الزواج مثلاً، يشعر الأعزب بأنّه يملك
حريته، وعندما يتزوّج، يسد حاجة من
حاجاته، لكنه يعيش مشاكل أخرى: {يسألونك
عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير _
ضرر _ ومنافع للناس وإثمهما أكبر من
نفعهما} (البقرة/219)
أي إذا كان الشيء ضرره أكبر من نفعه يكون
حراماً، وإذا كان نفعه أكبر من ضرره
يكون حلالاً، أما أن يكون هناك شيء كله
نفع ولا ضرر فيه، أو أن يكون كلّه ضرر لا
نفع فيه فلا يوجد.
والحمد
لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة
الله وبركاته..