[b]بينات من الآيات
عاقبة المكذبين[size=9]
[42 - 43 - 44] [ و أن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح و عاد و ثمود * وقوم إبراهيم و قوم لوط * و أصحاب مدين ]التكذيب عادة جرت عليها اسلاف هؤلاء المكذبين ، و هذه امثلة من التاريخ حيث كذب هؤلاء الرسل و اصروا على منكرهم ، فلا ينبغي ان ننتظر ما دمنا في خط الرسل القبول الســريع و المؤكد من اقوامنا ، و لكن لنطمئن ، فان طريقنا و تحركنا ينسجم و الخط العام للحيـــاة . لان الخط العام للكون و طريقنا آنئذ يسيران معا في اتجاه واحد ، الى ( الله ) .
ليس من مسؤوليات الرسول ان يكره الناس على قبول رسالته ، كما انه ليس عليه ان يقلق لتكذيبهم ، فانه عادة الناس ، و لكن واجب الرسول الصبر و انتظار الفرج ، و سواء استمع اليه الناس ام اعرضوا .. صدقوه أم كذبوه .. فدوره ينتهي بتبليغ الرسالة ، و من ثم ، فالنتيجة بيد الله ، ان شاء عذبهم ، أو أمهلهم حتى حين .
[ و كذب موسى ]
لم يكذب موسى (ع) من قبل قومه و انما كذبه فرعون و ملأوه ، و لذلك لم يعطف السياق على السابق و انما قال : " و كذب موسى " .
[ فأمليت للكافرين ثم أخذتهم ]
اي اعطيتهم مهلة من الوقت قد تطول او تقصر " ثم أخذتهم " فاجأهم العقاب المدمر .
[ فكيف كان نكير ]
لقد سلط الله عذابه عليهم ، فمحقهم محقا ، و وضع حدا لما هم عليه من التكذيب و الجحـــود ، و هكذا ينكر الله على الناس تكذيبهم انكارا عمليا . ارأيتم كيف يكون نكير الله ؟
[45] ان الله سبحانه قد جعل في التاريخ حتمية لا محيص عنها ، و هي حتمية الانتقام من اعداء اللــه ، اذ ان سنن الله في الطبيعة تلتقي مع الحق في كل النقاط ، و تجاوز الحق ، تعد على تلك السنن ، فلابد لها ان تنتقم بارادة الله سبحانه ، و بأي شكل كان ، سواءعلى شكل صاعقة تنزل ، أو في صورة بركان يتفجر ، أو حرب تدمر ، أو قحط شامل ، أو طاعون ينشر الموت . و على الانسان ان لا يأمن مكــر الله ، فينسى نقمته ، و يظن ان ما يحيط به من نعمه و فضله و آلائه ، هو كل ما في الحياة ، كلا بل ان للحياة وجها آخر ، تتمثل فيالانتقام الشديد .
بلى . من الصعب على الانسان ان يصدق بان ذلك الاله الرحيم الكريم ، الذي تولى خلقه طورا فطورا ، و كان معه في كل حركة من حركاته ، و الذي تتجلى رحمته و فضله عليـه في كل شيء ، أنه تعالى يمكر به و ينتقم منه أشد الانتقام ، لذلك نجده تستدرجه النعم ، و تغرهالاماني ، حتى اذا احاط به ذنبه قال : رب ارجعون لعلي اعمل صالحا . فلكي لا يصبح هكذا يجب عليه ان يذكر نفسه بما مضى من الام ، و ما جرى عليهم ، و ان يسير في الارض بحثا عن تلك الحضارات التي سادت و يتساءل لماذا بادت . ان السير في الارض ، و زيارة المتاحف الأثرية ، و اطلال المدن الكبرى ، و دراسة التاريخ ، لا سيما تاريخ الحضارات البائـــدة ، كل ذلك يوحي الينا بتلك الحقيقة التي لا تستهوينا ، و لا نريد معرفتها ، و هي ان الله يمكر بالانسان اذا ظلم و طغى . و ينتقم منه باشد العذاب .
و تؤكد آيات هذا الدرس على هذه الفكرة ، و تشير أيضا الى مصير اولئك الذين كذبوا هذه الحقيقة الناصعة ، و لم ينفعهم النهي عن المنكر الذي قام به انبياء الله (ع) ، و من سار على دربهم .
[ فكأين من قرية أهلكناها و هي ظالمة فهي خاوية على عروشها و بئر معطلة و قصر مشيد ]تبيد الحضارة في بعض الاحيان بصورة طبيعية كما يموت الانسان بعد ان يشيخ و تضعف بنيته الجسدية ، فتنطفئ شمعة الحياة شيئا فشيئا ، و قد تباد الحضارات بصورة فجائية و بعذاب الهي فتكون كما يموت الشاب بموت الفجأة بالرغم من ان جميع اعضاءه تبدو سالمة ، كل مافي الامر ان الروح تفارق جسده ، هكذا حال الحضارات ، فعندما تنحرف عن اهدافها المرسومة لها ، فان الله يوجه اليها ضربة قاضية في صورة زلزال مدمر او صاعقة من السماء ، فتبيد حضارتهم البشرية ، بالرغم من ان المظاهر المادية لهذه الحضارات تظل سالمة لتبقى عبرة للاجيال .
و لعلنا نستوحي هذه الفكرة من قوله سبحانه " و هي ظالمة " التي تدل على ان الهلاك نزل بهم حين ظلمهم .
لقد خلق الله سبحانه الطبيعة بحيث لا تتلائم مع الانحراف و الجريمة ، فهي تصبر زمنا ثم تتفجر غضبا - حين يشاء الله - لتعيد الامور الى نصابها .
" فهي خاوية علـــى عروشها " اي خالية من ساكنيها بالرغم من سلامة ابنيتها و عمرانها . " و بئر معطلة " هي التي ما زال ينضح ماؤها ، و لكن امست بلا رواد . اما القصر المشيد فانه يرمز الى مباني الملوك و الحكام الظلمة ، حيث ذهبوا و لمتغن عنهم قصورهم من الله شيئا .
لقد هلك القوم و تداعت البيوت فيها فهي خالية ، و عروشها قد تهاوت ، اما البئر التي هي محور الحضارة في الصحراء و يعتبر مالكها سيد الناس ، فقد تعطلت بعد ان كانت مركز التجاذب و سبب الصراع ، بينما بقيت القصور المشيدة التي تعالت و تجصصت خالية ترمز الى فناء أهلها .
و في الاحاديث ان العالم الصامت ، هو البئر المعطلة ، بينما العالم الناطق هو القصر المشيد (1) ، و لعل المناسبة بين هذا التأويل و ذلك التفسير ليست مجرد التشبيه ، بل و ايضا : لان هلاك الظالمين انما هو بتعطيل العلم ، و ذلك بعدم الاستفادة من العالم الصامت ( البئر المعطلة ) و لا من العالم الناطق ( القصر المشيد ) .
ترى كيف يصور القرآن هذه الحقائق تصويرا بديعا بحيث لو أخذت ريشة و صورتها لخرجت مكتملة الملامح معبرة عن الفكرة ، ابلغ تعبير خذ الآن ريشة و حاول ان ترسم قرية خالية بأبنيتها و شوارعها ، ثم ارسم بئرا قد تدلى عليها دلوها و عليها بكرتها ولا أحد عندها ، ثم صور قصرا فخما مهجورا ، ثم انظر ماذا ترى ، انك ترى لوحة تنطق بالموت الرهيب و تعطي للذين غرهم تقلبهم في الحياة ، العبرة الزاجرة .
[/size][/b]