ختلف أسماء الضحايا ومناطقهم غير أن ما جمعهم رحلة الـ409 ذهاباً دون إياب.. اسماء وجنسيات تختلف ولكن فاجعة واحدة تضمهم بين أيديها وتلفهم بوشاح من الحزن والذهول وانتظار المجهول بكل ألمه.
مصيبة تطفو فوق كل المصائب. لم يبقَ منزل في البلاد خارج شعور الصدمة وهول المأساة. الناس شعروا للحظات بأن لبنان في مأتم عام. ليس الحديث وحده ما يسيطر، بل الأسئلة الكبرى، وهي الأسئلة التي تعيد إلى الأذهان حكايات الموت الآتي من بعيد، أو ذلك الموت الذي يُعيد لصق الناس بعضهم ببعض، يلفها ويحزمها ولو بالشريط الأسود.
لا أحد يمكنه إغماض عينه عن لحظة تخيّل المصيبة في بيته، بين أهله وأصحابه والأقربين. ولمجرد تصور القسوة يتحول الصمت صراخاً داخلياً لا يسمعه أحد، لكن الجميع يشعر به.
لكل ضحية قصة.. وكل قصة تعكس مأساة إنسانية كبيرة، مخلـّفة ً أيتام وثكلى وأرامل.
تحديد مكان الصندوق الأسود
حملت تباشير الليل انباء يمكن اعتبارها سارة، في حمأة تفاعل دراما نكبة الطائرة الاثيوبية، لجهة تحديد موقع سقوط الطائرة والصندوق الاسود في عمق البحر، قبالة مطار رفيق الحريري الدولي. وسرت معلومات قبيل صباح اليوم، اكدتها مصادر امنية لبنانية عن تحقيق تقدم هائل لجهة تحديد مكان الصندوقين الاسودين وجسم الطائرة المنكوبة، وهذا الامر من شأنه ان يشكل نقلة نوعية في مسار عمليات الانقاذ والاغاثة، بحيث تمدد المهلة المتعارف عليها دولياً بـ72 ساعة الى ايام مرتبطة بالعثور على جثث كل الضحايا.
وأكد مسؤول عسكري لبناني ان سفينة تابعة للبحرية الاميركية حددت مكان تسجيلات الطائرة المنكوبة على عمق 1300 متر تحت الماء، وعلى بعد ثمانية كيلومترات غربي مطار بيروت،. وقد انعشت هذه المعلومات الآمال التي كانت تبددت صباحاً، بإمكانية انتشال جسم الطائرة والصندوقين الاسودين، رغم ان هذه العملية قد تحتاج الى ايام عدة، والى معدات ذات تقنيات عالية جداً، غير متوفرة سوى للسفينة الاميركية والسفينة المدنية "البرت اوسيان" المتخصصة في البحث في اعماق البحار عن حطام الطائرات. وهذا العمق الهائل يفسّر سقوط الطائرة في وادي بحري سحيق، مما يتطلب معدات متطورة لإيجادها.
الموت بجرعات كثيرة
إنهم ذوو ضحايا الطائرة المنكوبة الذين يرفضون الرحيل من امام المستشفى دون جثة تبرّد قلوبهم، "فهذه الجثة هي أكبر آمالهم"، كما يقول حمزة جعفر الذي يقف منتظراً مصير أخٍ تلتقطه الامواج. وفي الناحية الاخرى من المستشفى يجلس "حسن جابر" رافضاً المغادرة دون معرفة مصير شقيقه علي وكذلك رافضاً تصديق ان سبب سقوط الطائرة هو رداءة الطقس.
وفي باحة المستشفى التي ارتدت الاسود لوناً يليق بالكارثة الوطنية، بالرغم من انه لم يدخل باحة المستشفى منذ بدء الكارثة سوى 14 جثة (7 لبنانيين و7 اثيوبيين)، وبعض الأشلاء التي لفظتها الأمواج.
كذلك يقف على باب المستشفى بعض افراد الجالية الاثيوبية مكتفين بالوقوف مع بعضهم البعض في وجوه مصفرة مذهولة ومنتظرة.
وأشار رئيس قسم الامراض النفسية والعصبية في المستشفى د· "صلاح عصفون" ان الاهالي الآن بحالة ذهول وإنكار ورمي المسؤوليات على الآخرين ولن يرتاحوا إلا عند رؤية الجثث·
تشوّه كبير
بدوره أوضح الطبيب الشرعي د· "نعمة الملاح" أن 40% من الجثث التي وصلت بحال تشوه كلي ناجم عن ارتطام بأجسام صلبة، عازياً السبب الى عامل انفجار الطائرة وارتطامها بالمياه، لافتاً الى ان اكثرية مصابة بجروح بليغة وتشوه كلي في رؤوسها، واشار الى انه تمّ التعرف على جثة واحدة، اما الآخرون فمن الصعب جداً التعرف على هوياتهم إلا بواسطة فحوصات الـ DNA. واوضح ملاح الى ان الاشلاء التي وجدت لا يبنى عليها أي تحقيق او استنتاج، لافتاً الى اهمية اتخاذ الحيطة والحذر في الفحوصات منعاً لحصول أي خطأ.
وعلى صعيد الضحايا اللبنانيين وعددهم 54 راكباً، ولتسهيل عملية التعرف على جثثهم، تقرر أخذ عينات من ذويهم، دون انتظار اخراج الجثث من قعر البحر حيث ترقد الطائرة محطمة، لتكون فحوص الـ (دي ان اي) العائدة للأحياء جاهزة لمقارنتها مع الفحوص المماثلة التي تؤخذ من الضحايا تباعاً، ولتسهل المقاربة بين هذه الفحوص والتأكد من النتائج المرجوة.
عمليات الانقاذ مستمرة
نظرا ً الى هول الكارثة، شهد لبنان أوسع استنفار للدولة بأركانها ووزاراتها واجهزتها، لكن مجمل القدرات العسكرية والامنية والاغاثية واللوجستية بدا قاصراً امام فداحة الكارثة، الامر الذي حدا السلطات الرسمية على طلب معونات دولية، اذ لم تكف ايضا القدرات البحرية للقوة الموقتة في لبنان "اليونيفيل" التي عملت مع وحدات الجيش البحرية والجوية والبرية للبحث عن حطام الطائرة والضحايا وسط تضاؤل الآمال الى حد الانعدام في العثور على ناجين احياء من الركاب الـ90 الذين كانوا على متن الطائرة.
عزاء لاهالي الضحايا
توجّه الأمين العام لحزب الله "حسن نصر الله" في كلمة متلفزة، إلى أهالي ضحايا الطائرة المنكوبة، قائلاً:"سأتكلم كما لو كنت معكم في بيوتكم. أقدّم لكم العزاء وأعبّر لكم عن مشاركتنا في أحزانكم وآلامكم. حزنكم هو حزننا وألمكم ألمنا لأننا في السنوات الماضية ذقنا لوعة فقدان الأحبة".
وأضاف: "أمس شارككم الناس جميعاً، ونقدّر هذه العاطفة الشعبية العارمة عالياً، كما نقدّر حضور الدولة برؤسائها ووزرائها وقياداتها العسكرية وأجهزتها المدنية والمتابعة الجادة لهذه الكارثة، وكذلك كل المساعدة التي قدمت، سواء أكانت من اليونيفيل أم من الدول الأخرى. وندعو، أولاً، إلى مواصلة البحث الحثيث عن أجساد الضحايا، ولو استلزم الأمر وقتاً أطول، لأن عودة الأجساد مطلب إنساني وأخلاقي وعاطفي وشرعي، ويخفف من حزن هذه العائلات".
لم يحسب الاهالي الذين ودّعوا اولادهم انه الوداع الاخير في رحلة العمر. كان يمكن ان يعودوا لولا ان احدهم لم يؤدِّ واجبه ربما، او ان الطبيعة كانت قاسية اكثر من اللزوم حتى خطف الموت تلك الارواح المطمئنة من احضان الوطن.
مصيبة تطفو فوق كل المصائب. لم يبقَ منزل في البلاد خارج شعور الصدمة وهول المأساة. الناس شعروا للحظات بأن لبنان في مأتم عام. ليس الحديث وحده ما يسيطر، بل الأسئلة الكبرى، وهي الأسئلة التي تعيد إلى الأذهان حكايات الموت الآتي من بعيد، أو ذلك الموت الذي يُعيد لصق الناس بعضهم ببعض، يلفها ويحزمها ولو بالشريط الأسود.
لا أحد يمكنه إغماض عينه عن لحظة تخيّل المصيبة في بيته، بين أهله وأصحابه والأقربين. ولمجرد تصور القسوة يتحول الصمت صراخاً داخلياً لا يسمعه أحد، لكن الجميع يشعر به.
لكل ضحية قصة.. وكل قصة تعكس مأساة إنسانية كبيرة، مخلـّفة ً أيتام وثكلى وأرامل.
تحديد مكان الصندوق الأسود
حملت تباشير الليل انباء يمكن اعتبارها سارة، في حمأة تفاعل دراما نكبة الطائرة الاثيوبية، لجهة تحديد موقع سقوط الطائرة والصندوق الاسود في عمق البحر، قبالة مطار رفيق الحريري الدولي. وسرت معلومات قبيل صباح اليوم، اكدتها مصادر امنية لبنانية عن تحقيق تقدم هائل لجهة تحديد مكان الصندوقين الاسودين وجسم الطائرة المنكوبة، وهذا الامر من شأنه ان يشكل نقلة نوعية في مسار عمليات الانقاذ والاغاثة، بحيث تمدد المهلة المتعارف عليها دولياً بـ72 ساعة الى ايام مرتبطة بالعثور على جثث كل الضحايا.
وأكد مسؤول عسكري لبناني ان سفينة تابعة للبحرية الاميركية حددت مكان تسجيلات الطائرة المنكوبة على عمق 1300 متر تحت الماء، وعلى بعد ثمانية كيلومترات غربي مطار بيروت،. وقد انعشت هذه المعلومات الآمال التي كانت تبددت صباحاً، بإمكانية انتشال جسم الطائرة والصندوقين الاسودين، رغم ان هذه العملية قد تحتاج الى ايام عدة، والى معدات ذات تقنيات عالية جداً، غير متوفرة سوى للسفينة الاميركية والسفينة المدنية "البرت اوسيان" المتخصصة في البحث في اعماق البحار عن حطام الطائرات. وهذا العمق الهائل يفسّر سقوط الطائرة في وادي بحري سحيق، مما يتطلب معدات متطورة لإيجادها.
الموت بجرعات كثيرة
إنهم ذوو ضحايا الطائرة المنكوبة الذين يرفضون الرحيل من امام المستشفى دون جثة تبرّد قلوبهم، "فهذه الجثة هي أكبر آمالهم"، كما يقول حمزة جعفر الذي يقف منتظراً مصير أخٍ تلتقطه الامواج. وفي الناحية الاخرى من المستشفى يجلس "حسن جابر" رافضاً المغادرة دون معرفة مصير شقيقه علي وكذلك رافضاً تصديق ان سبب سقوط الطائرة هو رداءة الطقس.
وفي باحة المستشفى التي ارتدت الاسود لوناً يليق بالكارثة الوطنية، بالرغم من انه لم يدخل باحة المستشفى منذ بدء الكارثة سوى 14 جثة (7 لبنانيين و7 اثيوبيين)، وبعض الأشلاء التي لفظتها الأمواج.
كذلك يقف على باب المستشفى بعض افراد الجالية الاثيوبية مكتفين بالوقوف مع بعضهم البعض في وجوه مصفرة مذهولة ومنتظرة.
وأشار رئيس قسم الامراض النفسية والعصبية في المستشفى د· "صلاح عصفون" ان الاهالي الآن بحالة ذهول وإنكار ورمي المسؤوليات على الآخرين ولن يرتاحوا إلا عند رؤية الجثث·
تشوّه كبير
بدوره أوضح الطبيب الشرعي د· "نعمة الملاح" أن 40% من الجثث التي وصلت بحال تشوه كلي ناجم عن ارتطام بأجسام صلبة، عازياً السبب الى عامل انفجار الطائرة وارتطامها بالمياه، لافتاً الى ان اكثرية مصابة بجروح بليغة وتشوه كلي في رؤوسها، واشار الى انه تمّ التعرف على جثة واحدة، اما الآخرون فمن الصعب جداً التعرف على هوياتهم إلا بواسطة فحوصات الـ DNA. واوضح ملاح الى ان الاشلاء التي وجدت لا يبنى عليها أي تحقيق او استنتاج، لافتاً الى اهمية اتخاذ الحيطة والحذر في الفحوصات منعاً لحصول أي خطأ.
وعلى صعيد الضحايا اللبنانيين وعددهم 54 راكباً، ولتسهيل عملية التعرف على جثثهم، تقرر أخذ عينات من ذويهم، دون انتظار اخراج الجثث من قعر البحر حيث ترقد الطائرة محطمة، لتكون فحوص الـ (دي ان اي) العائدة للأحياء جاهزة لمقارنتها مع الفحوص المماثلة التي تؤخذ من الضحايا تباعاً، ولتسهل المقاربة بين هذه الفحوص والتأكد من النتائج المرجوة.
عمليات الانقاذ مستمرة
رائحة الموت خيمت على لبنان |
نظرا ً الى هول الكارثة، شهد لبنان أوسع استنفار للدولة بأركانها ووزاراتها واجهزتها، لكن مجمل القدرات العسكرية والامنية والاغاثية واللوجستية بدا قاصراً امام فداحة الكارثة، الامر الذي حدا السلطات الرسمية على طلب معونات دولية، اذ لم تكف ايضا القدرات البحرية للقوة الموقتة في لبنان "اليونيفيل" التي عملت مع وحدات الجيش البحرية والجوية والبرية للبحث عن حطام الطائرة والضحايا وسط تضاؤل الآمال الى حد الانعدام في العثور على ناجين احياء من الركاب الـ90 الذين كانوا على متن الطائرة.
عزاء لاهالي الضحايا
توجّه الأمين العام لحزب الله "حسن نصر الله" في كلمة متلفزة، إلى أهالي ضحايا الطائرة المنكوبة، قائلاً:"سأتكلم كما لو كنت معكم في بيوتكم. أقدّم لكم العزاء وأعبّر لكم عن مشاركتنا في أحزانكم وآلامكم. حزنكم هو حزننا وألمكم ألمنا لأننا في السنوات الماضية ذقنا لوعة فقدان الأحبة".
وأضاف: "أمس شارككم الناس جميعاً، ونقدّر هذه العاطفة الشعبية العارمة عالياً، كما نقدّر حضور الدولة برؤسائها ووزرائها وقياداتها العسكرية وأجهزتها المدنية والمتابعة الجادة لهذه الكارثة، وكذلك كل المساعدة التي قدمت، سواء أكانت من اليونيفيل أم من الدول الأخرى. وندعو، أولاً، إلى مواصلة البحث الحثيث عن أجساد الضحايا، ولو استلزم الأمر وقتاً أطول، لأن عودة الأجساد مطلب إنساني وأخلاقي وعاطفي وشرعي، ويخفف من حزن هذه العائلات".
لم يحسب الاهالي الذين ودّعوا اولادهم انه الوداع الاخير في رحلة العمر. كان يمكن ان يعودوا لولا ان احدهم لم يؤدِّ واجبه ربما، او ان الطبيعة كانت قاسية اكثر من اللزوم حتى خطف الموت تلك الارواح المطمئنة من احضان الوطن.